✍️ الطلاق مشروعيته وآثاره وانواعه :
▪️تعرف الطَّلاَقُ : الطلاق لغَةِ: هو الْحَل وَرَفْعُ الْقَيْدِ، وَهُوَ اسْمٌ مَصْدَرُهُ التَّطْلِيقُ، وَيُسْتَعْمَل اسْتِعْمَال الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ: طَلُقَتِ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَهِيَ طَالِقٌ بِدُونِ هَاءٍ، وَرُوِيَ بِالْهَاءِ (طَالِقَةٌ) إِذَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَيُرَادِفُهُ الإِْطْلاَقُ، يُقَال: طَلَّقْتُ وَأَطْلَقْتُ بِمَعْنَى سَرَّحْتُ، وَقِيل: الطَّلاَقُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا طَلُقَتْ، وَالإِْطْلاَقُ لِغَيْرِهَا إِذَا سُرِّحَ، فَيُقَال: طَلَّقْتُ الْمَرْأَةَ، وَأَطْلَقْتُ الأَْسِيرَ، وَقَدِ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ هَذَا الْفَرْقَ، فَقَالُوا: بِلَفْظِ الطَّلاَقِ يَكُونُ صَرِيحًا، وَبِلَفْظِ الإِْطْلاَقِ يَكُونُ كِنَايَةً.
وَجَمْعُ طَالِقٍ طُلَّقٌ، وَطَالِقَةٌ تُجْمَعُ عَلَى طَوَالِقَ، وَإِذَا أَكْثَرَ الزَّوْجُ الطَّلاَقَ كَانَ مِطْلاَقًا وَمِطْلِيقًا، وَطَلِقَةً . ▪️الطلاق شرعا: هُوَ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَال أَوِ الْمَآل بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. ▪️حكم الطلاق : اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلاَقِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا:
١ / قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
٢/ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} . ٣/ قَوْل الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَحَل اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ .
٤/ حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا .
٥/ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي حَيْضِهَا، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِارْتِجَاعِهَا ثُمَّ طَلاَقِهَا بَعْدَ طُهْرِهَا، إِنْ شَاءَ .
٦/ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ - لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الأَْصْلِيِّ لِلطَّلاَقِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الأَْصْل فِي الطَّلاَقِ الإِْبَاحَةُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهَا فِي أَحْوَالٍ.
▪️وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الأَْصْل فِيهِ الْحَظْرُ، وَيَخْرُجُ عَنِ الْحَظْرِ فِي أَحْوَالٍ. وَعَلَى كُلٍّ فَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ؛ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا، كَمَا يَكُون مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الظُّرُوفِ وَالأَْحْوَال الَّتِي تُرَافِقُهُ. 🌴الطلاق ظاهرة عامة وموجودة في كل المجتمعات وبنسب متفاوتة وهو أمر عرفته البشرية من قديم الزمان، وكانت له طرق وأشكال تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن عصر إلى عصر، وقد أقرّته جميع الرسالات كلٌ بطريقته، كما عرفته عرب الجاهلية لأنه كان شريعة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -، ففي أحاديث الانبياء من صحيح البخاري أن إبراهيم - عليه السلام- قال لزوجة ولده إسماعيل التي شكت حاله قولي له: يغير عتبة داره، ففهم إسماعيل من ذلك أنه ينصحه بطلاقها، فطلقها .
▪️وعندما جاء الإسلام كان امتداداً لملة إبراهيم كما قال الله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً". ▪️فأقرّ الإسلام الطلاق ونظمه تنظيماً دقيقاً مراعياً في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها من ناحية وحفظ كيان المجتمع البشري بأكمله من ناحية أخرى، يقول الله تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
▪️ولو وضع الإسلام أو التشريع قانوناً يُحرم الطلاق لصاح الناس: هذا ظلم مبين، ولو ألزم الزوجين بالبقاء على ما بينهما من جفاء- لأكلت الضغينة قلوبهما، وكاد كلٌ منهما للآخر، وسعى إلى الخلاص منه بأية وسيلة ممكنة، وقد يهمل أحدهم صاحبه، ويلتمس متعة الحياة عند غيره، كما تفعله النصارى لما منعوا الطلاق اتخذ الزوج خدينة واتخذت الزوجة خدينا فشاهت الحياة وهاهم اليوم قد شرعوا الطلاق . 🌴أنواع الطلاق : ▪️طلاق رجعي : وكل طلاق يقع رجعياً إلا الطلاق المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال، والطلاق الذي ينص القانون على وقوعه بائناً.🌴آثار الطلاق الرجعي:
يترتب على الطلاق الرجعي أمران:
أولاً: نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته.
ثانياً: انتهاء الزوجية بين الزوجين إذا لم يراجعها أثناء العدة.
وعلى ذلك، فالطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية إلا بعد انتهاء العدة كما أنه يترتب على الزوجين فيه الأحكام الآتية:
١/ لا تخرج الزوجة من بيت الزوجية التي تسكن فيه قبل الطلاق.
٢/ يجوز للزوج الدخول والخروج عليها وبدون إذنها.
٣/ إذا قام بالاستمتاع بها أثناء العدة يعتبر ذلك رجعة لها.
٤/ النفقة واجبة للزوجة مادامت في عدة الطلاق الرجعي الشرعية.
٥/ يرث كل منهما الآخر إذا مات أحدهما أثناء العدة.
٦/ يستطيع الزوج أن يعيد زوجته إلى عصمته أثناء العدة بدون إذنها ورضاها وبلا مهر ولا عقد جديدين.
٧/ لا يحق للزوجة المطالبة بمؤخر الصداق إلا بعد انتهاء العدة الشرعية.
🌴الطلاق البائن بينونة صغرى:
وهو الذي لا يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة ولكن يمكن فيه استئناف الحياة الزوجية بعقدٍ ومهرٍ جديدين. "الطلاق البائن بينونة صغرى يحل قيد النكاح ويرفع أحكامه ويزيل ملك الزوج في الحال، ولا يبقي للزوجية أثر سوى العدة". ▪️لا يقع الطلاق البائن بينونة صغرى إلا في الأحوال الآتية:
أولاً: قبل الدخول الحقيقي ولو كان بعد الخلوة، يقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها.
ثانياً: الطلاق على مال، وفي ذلك يقول الله : "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به".
ثالثاً: الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءً على طلب من الزوجة بسبب من الأسباب . ▪️ فالطلاق بهذه الأسباب يكون بائناً ماعدا الطلاق بسبب امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته فيكون رجعياً.
▪️آثار الطلاق البائن بينونة صغرى:
١/ يرفع أحكام النكاح فيزيل الملك في الحال ولكنه لا يرفع الحل ولا يبقي للزوجية أثر سوى العدة.
٢/ يحرم عليه الاستمتاع بها أو الخلوة.
٣/ يجب على المرأة أن تستتر في بيت الزوجية وتحتجب عن الزوج الذي طلقها ولا يدخل عليها أو ينظر إليها.
٤/ ليس له أن يرجعها إلى عصمته إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين سواء أثناء العدة أو بعدها.
٥/ الطلاق البائن بينونة صغرى أيضاً ينقص عدد الطلقات كالرجعي.
٦/ لا يتوارث الزوجان إذا مات أحدهم حتى ولو كانت في العدة إلا إذا كان فراراً من الميراث.
٧/ تستحق المطلقة نفقة العدة.
٨/ يجوز لها طلب مؤخر الصداق أو تابع المهر المعجل.
٩/ لا يستطيع المطلق إلحاق طلقة أخرى بها.
🌴 الطلاق البائن بينونة كبرى:
وهو الذي لا يستطيع فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة كالطلاق الرجعي، ولا استئناف الحياة الزوجية بينهما بعقدٍ ومهرٍ جديدين كالطلاق البائن بينونة صغرى بل تحرم عليه المرأة حرمة مؤقتة لا تنتهي إلا إذا تزوجت بزوجٍ آخر زواجاً شرعياً صحيحاً ويدخل بها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، ولا يقع هذا النوع من الطلاق إلا في حالة واحدة وهي إذا كان مسبوقاً بطلقتين أي أن هذه الطلقة تكون المكملة للثلاث.
▪️آثار الطلاق البائن بينونة كبرى:
١/ يحرم على المطلق الزواج من مطلقته إلا بعد أن تتزوج بآخر زواجاً شرعياً صحيحاً، ولا يجوز في ذلك المحلل الذي هو (التيس المستعار) - لعنه الله- كما جاء روي الترمذي عن ابن مسعود - رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله المحلل والمحلل له"، وفي رواية أخرى: "لعن الله... الخ"، رواه ابن ماجة، وأحمد عن ابن عباس، ورواه الحاكم وصححه. ٢/هذا الطلاق يزيل في الحال الملك والحل معاً.
٣/ تترتب على الطلاق البائن بينونة كبرى جميع الآثار المترتبة على الطلاق البائن بينونة صغرى والتي ذكرناها سابقاً.
▪️المبحث الثاني:
الآثار الشرعية المترتبة على الطلاق:
يترتب على الطلاق آثار شرعية لابد أن يلتزم بها طرفي العلاقة شرعاً، قد لا تكون موجودة أثناء الحياة الزوجية أو قد تكون ممنوعة ومحرمة فأصبحت مباحة بعد الطلاق، أو قد تكون مباحة أثناء العلاقة الزوجية فأصبحت بعدها ممنوعة، كما أن هناك التزامات شرعية على المطلقة لابد من فعلها بعد الطلاق وهي أثر من آثاره شرعاً كالعدة مثلاً، وهذه الآثار الشرعية حددتها النصوص الشرعية سواء بالقرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، وعلى ذلك تكون ملزمة للمطلقين لأنه لا اجتهاد في مجال النص وهذه الآثار، هي:
أولاً: حل زواج من كانت تحرم على المطلق:
كأخت طليقته وعمتها أو خالتها أو أن يتزوج بالخامسة تحل محل الرابعة التي طلقت وبانت. وكان هؤلاء محرمات عليه قبل الطلاق، وكما هو معروف يحرم على الإنسان التزوج ببعض النساء وهذه الحرمة قد تكون مؤبدة أي لا يحل له الزواج بها مطلقاً لأن سبب تحريمها وصف ملازم لها لا يزول، كالتحريم بسبب القرابة النسبية كأصول الإنسان أمه وجدته وإن علون وفروع الإنسان مهما نزلن كابنته وبنت ابنته،وفروع الإنسان مهما نزلن كابنته وابنت ابنته، وفروع الأبوين مهما امتد حبل النسب كأخته وبنت أخيه وبنت أخته، والفروع المباشرون للأجداد والجدات كعمته وخالته سواء كانت شقيقته أو لأب أو عمته أو أحد أصوله وخالته... وهكذا.
أو الحرمة المؤبدة بسبب المصاهرة فيحرم على الرجل أصول زوجته مهما علت كأمها وجدتها من الأب أو من الأم وفروع زوجته ومهما نزلن كبنت زوجته وبنت ابنها وبنت بنتها، ويحرم عليه أيضاً التزوج بزوجة أصوله مهما علو كزوجة أبيه أو جده من أبيه أو أمه وزوجة فروعه مهما نزلوا كزوجة ابنه أو ابن ابنه أو ابن بنته أو الحرمة المؤبدة بسبب الرضاعة، فيحرم على الشخص بسبب الرضاعة ما يحرم عليه بسبب النسب والمصاهرة.
وهذه الحرمة المؤبدة هي وصف ملازم لها لا يزول حتى بعد الطلاق، وقد تكون الحرمة مؤقتة أي أنه لا يجوز له التزوج بها مادامت على صفة معينة قابلة للزوال عنها، فإذا زالت هذه الصفة أصبحت حلالاً يجوز الزواج بها، ومن أمثلة ذلك:
أ- المرأة المتزوجة ومن في حكمها كالمعدة، فلا يجوز الزواج بها إلا إذا زالت عنها هذه الصفة، فأصبحت مطلقة منتهية العدة تماماً، يقول الله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله"، أي لا تبرموا عقد النكاح إلا إذا انتهت العدة المفروضة المكتوبة.
ب- لا يجوز الجمع بين امرأتين كلٌ منهما محرم للأخرى فيحرم على من تزوج بامرأة أن يتزوج بأختها سواء كانت أختاً شقيقة أو لأب أو لأم، كما يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها
🌴. أدب الطلاق : ١/ أن يكون رجعياً، أي طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة.
٢/ أن يقع الطلاق في حالة هدوء لا غضباً فيه ولا شقاق.
٣/ أن يقع في طهر لم يسبقه جماع، فإن لم تكن الزوجة كذلك، فاصبر حتى تطهر، ثم إن شئت طلقتها وإن شئت أمسكتها.
٤/ لا تغلظ لها القول بل تلطف في النطق بالطلاق والتمس الأعذار المسببة له واطلب به سعادة الطرفين.
٥/ لا تخرجها من بيتك إلا إذا أتمت العدة وتبين لك من نفسك بانقضائها صدق رغبتك في طلاقها والإصرار على فراقها، قال تعالى: ?يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
٦/ أن يتلطف في التعليل بتطليقها من غير تعنيف أو استخفاف والإبقاء على ودها وتطييب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لخاطرها لما فجعها به من أذى الطلاق، يقول الله تعالى: ?لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين?.
٧/ أن لا يبخسها أي حق من حقوقها، يقول الله تعالى: ?وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً..
٨/أن يكون رجلاً في موقفه منها وأن يكون شهماً في معاملته لها بعد الطلاق، فلا يلوكها بلسانه بما يسيء إليها بحق أو بباطل ولا يلجئها إلى المحاكم في سبيل الحصول على حقوقها من نفقة أو حضانة امتثالاً لقول الله تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير..
٩/ ألا يفشي سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح، فقد روي مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه" . وروي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك فيها ؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل: لم طلقتها ؟ فقال: مالي لمرأة غيري، وروي أيضاً أن رجلاً طلق زوجته فسأله أحد الناس عن السبب في طلاقها فقال: كنت أصون لساني عند ذكر عيوبها وهي زوجتي فكيف أستبيح ذلك وقد صارت أجنبية عني؟.
فهذه جملة الآداب الإسلامية فلو كل مطلق التزم بها وطبق النصوص الشرعية في آداب الطلاق لما رأينا تلك المشاهد المؤلمة في ساحات المحاكم أو دواوين رجال الإصلاح.
خامساً: العدة:
أثر شرعي من آثار الطلاق فيه حق الله وهي مدة تتربص فيها المرأة بعد انتهاء الرابطة تعبدا لله . 🌴🌴الطلاق السني: هو الذي يقع في حالة الحمل أو في حالة كون المرأة طاهراً لم يجامعها زوجها، هذا هو الطلاق السني، ويكون طلقة واحدة فقط،كأن يقول هي طالق أو مطلقة طلقة واحدة، ويكون ذلك في حال كونها حاملاً أو في حال كونها طاهرة طهراً لم يجامعها فيه، لقول النبي ﷺ لابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض: راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شئت طلقها طاهراً أو حاملاً قبل أن تمسها ▪️وفي اللفظ الآخر: ثم ليطلقها قبل أن يمسها وفي اللفظ الآخر: طلقها طاهراً أو حاملا.
فالمقصود: أنه ﷺ أمره أن يطلقها في حالة طهر ما مسها فيه، أو في حال كونها حاملاً، وهذا هو معنى قوله جل وعلا: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] .قال العلماء: معنى ذلك: أنهن طاهرات بغير جماع، أو في حال الحمل، هذا الطلاق للعدة وأن يكون طلقة واحدة .
🌴الطلاق البدعي: هو الطلاق في الحيض وهو يعلم، أو في النفاس وهو يعلم، أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها، واختلف العلماء في وقوعه، فذهب قوم إلى أنه لا يقع إذا علم بذلك، وذهب الجمهور إلى أنه يقع ولو علم لكن يأثم.. 🌴الحالات التي يجوز للمرأة طلب الطلاق فيها هي:
١/أن تكره خلق الزوج أو خُلقه وتبغضه بحيث لا تطيق العيش معه وإن كان صالحاً في دينه ويكون في نظرها بمنزلة المحارم فيحل لها طلب الطلاق منه فإن فعل إحساناً منه كان طلاقاً وإن طالبها العوض كان ذلك خلعاً لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته ؟. قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة).
٢/أن تكره دين الزوج ويكون في بقائها معه ضرر في دينها بحيث يكون الرجل فاسقاً لا يؤدي الفرائض أو يتعاطى المسكرات أو يعرف بفعل الفواحش أو يأمرها بالتبرج وفعل المنكرات ونحو ذلك من الكبائر الخطيرة فتحاول وتسعى في إصلاحه وإن لم يصلح فيحق لها طلب الطلاق منه وقد يجب حفظاً لدينها فإن امتنع رفعت أمره للحاكم ليفسخها منه. لما رواه ابن ماجه من قوله صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار).
٣/أن يكون في عيشها معه ضرر عليها من الناحية الجسدية أو النفسية كأن يكون ظالماً يعتدي عليها بالضرب والسب والشتم ولا يقيم لها أي حرمة أو يؤذيها نفسياً بالإهانة والتعنيف وجرح كرامتها والطعن بعرضها ويعاملها معاملة العبيد ويكون ذلك سلوك دائم منه فتنصحه وتعظه وتحاول استصلاحه وتستعين بأهل الفضل فإن صلح فالحمد لله وإن لم يصلح طلبت الطلاق منه وتخلصت من شره.
٤/أن يترك القيام بحقوقها الواجبة كأن يكون بخيلاً مقتراً عليها في النفقة أو يمنعها النفقة بالكلية لإعسار أو غيره أو يكون تاركاً لوطئها بالكلية مما يلحق الضرر بها ويعرضها للفساد أو لا يهيئ لها سكناً صالحاً لمثلها عرفاً. أو يهجرها ويترك المبيت عندها لغير سبب موجب فتطالبه بحقوقها وتخوفه الله فإن لم يؤتها حقوقها أو لم يصالحها جاز لها طلب الطلاق لفوات حقوقها.
أما ما سوى ذلك من الأحوال والهفوات التي تقع غالباً بين الزوجين في الحياة اليومية من خصومة ونوع غم وكدر واختلاف في الرأي وجفاء في علاقة الأهل أو نقص في المودة والمحبة فلا يحل للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها لأن البيوت غالباً قائمة على المروءة وحسن العشرة لا المحبة كما حكاه الشافعي ولأن الحياة الزوجية لا تسلم غالباً من المنغصات والمكدرات حتى في بيت النبوة والصحابة.
▪️ولذلك ورد النهي الأكيد والوعيد الشديد في طلب المرأة الطلاق من غير سبب مقنع وعذر مرضي كما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة). ▪️فالواجب على المرأة أن تخش الله وتقف عند حدوده في طلب الطلاق حتى لا تدخل في هذا الوعيد وتعرض نفسها لسخط الله.
▪️ولا يحل للمرأة أيضا طلب الطلاق من زوجها إذا تزوج عليها امرأة أخرى لأن هذا حقا مشروعاً للزوج ولا يعد ذلك ضرراً في الشرع إلا إذا اشترطت بأن لا يتزوج عليها في صلب العقد أو حصل لها ضرر ظاهر من جراء ذلك في دينها أو دنياها كما سبق بيانه..
▪️الإكراه على الطلاق :
إذا أُكره الزوج على تطليق زوجته فإن أكثر فقهاء المسلمين يرون أنّ هذا الطلاق باطل، والزواج مستمر، وذلك لما روى بن ماجه في سننه بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا تُوَسْوِسُ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ، أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ". ▪️ و الإكراه هو أن يتلقى الزوج تهديداً بالضرر في نفسه أو ماله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق